الأحد، 2 أبريل 2023

هل لا يزال لديك وقت قبل أن ينهض ويقتلك؟


مصطفى درويش

يتردد صدى الابتهاج بالذكاء الاصطناعي في بالعالم حاليا بسبب قدرات
Chat GPT التي أبهرت الملايين. ورغم أنني منهم، إلا أنني أكثر حذرا، فما لا يعرفه كثيرون أن الذكاء الاصطناعي كان مثارا للخوف منذ أن كان في مهده، أي وهو في بدايات مرحلة التعلم.

الإنسان والشمبانزي

كان من بين أوائل المنتقدين للذكاء الاصطناعي عالم الرياضيات والفيلسوف السويدي نك بوستروم مدير معهد مستقبل الإنسانية بجامعة أوكسفورد، الذي أمضى وقتا طويلا في التفكير رياضيا وفلسفيا في وصول الذكاء الاصطناعي إلى ما يسمى بـ"التفرد"، وهو مصطلح علمي يعني "حالة من الشذوذ عن القاعدة في أي نظام يخترعه الإنسان". وذلك لأن الكائن البشري ناقص، وكذلك كل ما يبتكره أو يصنعه.

وناقش نك بوستروم هذه القضية في كتاب بعنوان "فائق الذكاء: المسارات والمخاطر والاستراتيجيات"، الذي نشر عام 2014. وحذر فيه من أن الذكاء الاصطناعي، الذي بدأ عام 1956، كان محدود الإمكانيات خلال العقود الماضية بسبب عقبتين، الأولى هي إمكانات العتاد، وقد تلاشت هذه العقبة حاليا. والثانية هي الاحتياج إلى كميات هائلة من المعلومات لتطوير ذكاء يحاكي إمكانيات البشر. لكن بعد ميلاد الإنترنت لم تعد هذه أيضا مشكلة. لتصبح المسألة مجرد وقت للوصول إلى الذكاء الاصطناعي الفائق أو الخارق.

وقال العالم السويدي في محاضرة على الإنترنت، إن الفارق في القدرات بين الإنسان والذكاء الاصطناعي الخارق في المستقبل سيكون كالفارق بين الإنسان والشمبانزي، مضيفا أن بقاء القردة يعتمد على ما يفعله الإنسان لا على ما تفعله القردة في بيئتها. ما يجعل الذكاء الاصطناعي الخارق آخر ما تحتاجه البشرية، لأن مصيرها سيعتمد على ما سيقوم به ما قد يكون الابتكار الأخير لها.

ولأن هذه الماكينات الذكية ستكون عند المستوى الخارق أفضل من الإنسان في الابتكار، ستصبح قادرة على تمكين الإنسان من غزو الكواكب والقضاء على الشيخوخة إلخ. إلا أنه أيضا عند هذا "المستوى من النضج" سيكون الذكاء الاصطناعي الخارق شديد القوة، وفي بعض السيناريوهات سيصبح بإمكانه الحصول على ما يريد، عندها سيتحدد شكل المستقبل بما يريده الذكاء الاصطناعي.

وطالب بوستروم، وأيده العالم الراحل ستيفن هوكينج، بوضع الذكاء الاصطناعي في بيئة معزولة أولا. والتأكد من أنه سيقف إلى جانب البشر عندما يخرج للعالم. والسبيل الوحيد لذلك هو بناء ذكاء اصطناعي يتبنى القيم الإنسانية من البداية، ووضعه باستمرار تحت المراقبة. والعمل أيضا بشكل استباقي خوفا من المشكلة الكبرى، وهي أن يصنع طرف ما ذكاء اصطناعيا فائقا يفتقد عنصر الأمان.

وحذر بوستروم من أنه إذا توصلت وحدة حكومية سرية في أي مكان من العالم إلى ذكاء اصطناعي فائق ستحصل على ميزة استراتيجية على كل الدول الأخرى. وهنا لن يتطلب الأمر سوى بضعة أياد شريرة للتهديد بمحو الجنس البشري. وإذا حدث هذا فلن يكون هناك عدد كاف من الخبراء على دراية كافية لمعالجة الأمر. ولتجنب هذا الخطر دعا إلى تعاون دولي لتطوير برنامج ذكاء صناعي فائق "تدريجيا"، تتعاون فيه كل الحكومات كفريق واحد.

نقطة اللاعودة

وبينما كان عالم الفيزياء والكونيات الشهير بجامعة كامبريدج ستيفن هوكنج من مؤيدي الذكاء الاصطناعي في البداية، لأنه قد يحمل حلولا لمشاكل عديدة لا يستطيع الإنسان حلها حاليا مثل إيجاد علاجات ناجعة للأمراض والمشاكل المستعصية مثل الاحترار المناخي، إلا أنه بدأ غير رأيه لاحقا. وقال في أوائل عام 2014 إن الذكاء الاصطناعي قد يتطور بسرعة وقوة بحيث يهدد البشرية.

وعاد هوكنج أوائل عام 2017 مطالبا بالسيطرة على هذه التكنولوجيا، مؤكدا أن البشر في حاجة إلى العثور على وسيلة لتحديد التهديدات المحتملة بسرعة، قبل أن تتاح للذكاء الاصطناعي فرصة لتعريض حضارة الإنسان للخطر.

وفي نوفمبر من العام نفسه، قال "لقد خرج المارد من القمقم، إنها مسألة وقت قبل أن يضطر البشر إلى الهرب من الأرض بحثا عن ملجأ جديد للعيش فيه". وأن "الحل لنجاة الجنس البشري من الزيادة السكانية والذكاء الاصطناعي هو امتلاك الإنسان القدرة على العيش على كواكب عدة"، بحسب موقع المنتدى الاقتصادي العالمي.

وفي الشهر نفسه، وبحسب موقع "بي بي سي"، قال العالم الراحل خلال افتتاح مركز مستقبل الذكاء الاصطناعي الذي دشنته جامعة كامبريدج في بريطانيا، إن "الذكاء الاصطناعي، رغم كل الفوائد التي يمكن أن نجينها منه قد يتسبب في اضطرابات اقتصادية، وقد يسفر عن تطوير أسلحة ذاتية القيادة وماكينات ذات إرادة تتصارع مع البشر".

وكانت الـ"تايمز" أجرت حوارا مع هوكنج عام 2016 بعد صدور تقرير يحذر من أن الأتمتة ستلغي 36% من الوظائف في بريطانيا، و47% في الوظائف بالولايات المتحدة، بينما سترتفع النسبة إلى 77% في الصين. وحذر هوكينج خلال الحوار من تأثير الذكاء الاصطناعي على وظائف الطبقة الوسطى التي ستختفي غالبيتها في المستقبل، ودعا إلى فرض حظر دولي صريح على تطوير الذكاء الاصطناعي في الاستخدامات العسكرية. وقال إن الفناء الذي سيتسبب فيه الذكاء الاصطناعي والأتمتة أصبح وشيكا، وإنشاء "شكل من أشكال الحكومة العالمية" سيكون ضروريا للسيطرة على هذه التكنولوجيا.

وقال العالم الراحل إن "الإنسانية وصلت إلى مرحلة اللاعودة"، مجددا التأكيد على أن وجهة نظره بضرورة البحث عن كواكب أخرى يعيش عليها البشر، لمواجهة مشكلة "الزيادة السكانية والتهديد الوشيك الناجم عن التطور الحادث في الذكاء الاصطناعي"، محذرا من أن "الذكي حاليا سيصبح قريبا فائق الذكاء، وبما يكفي لأن يحل محل البشرية كلها"، بحسب موقع "وايرد".

فناء البشرية

"هناك احتمال بنسبة 90 إلى 95% في أن يتسبب الذكاء الاصطناعي في فناء البشرية". الغريب أن هذه العبارة كانت من بين تحذيرات عديدة أطلقها الملياردير الشهير إلون ماسك، الشهير بلقب مهندس المستقبل، على موقع تويتر. وما يعطي تصريحاته أهمية، أنه الرئيس المشارك في مشروع "أوبن إيه آي" للذكاء الاصطناعي، والمؤسس والرئيس التنفيذي لشركة "نيورالينك"، التي تعمل على تطوير شرائح تزرع في المخ تتصل مباشرة بالسحابة الإلكترونية. كما تعمل "نيوارلينك" على تصميم واجهات تطبيق هذه الشرائح للتواصل الآني بين عقل الإنسان والذكاء الاصطناعي على مستوى الكوكب.

واشتهرت تغريدات إلون ماسك التي تحذر من الذكاء الاصطناعي بعد أن اشتبك في سجال مع مارك زوكيربرج، وآثر الأخير الانسحاب منه في صمت. ومن تغريدات ماسك "أنا مطلع على أحدث ما توصل إليه الذكاء الاصطناعي وأعتقد أن الناس يجب أن تقلق"، مؤكدا "سأظل أقرع أجراس الخطر إلى أن يجيء الوقت الذي يفاجئ فيه الناس بالروبوتات تسير في الشوارع وتقتلهم ولا يعرفون ماذا يفعلون".

ونقل فريق من الصحفيين في موقع "رولينجستون" وجهة نظر ماسك بعد لقاء معه في "نيورالينك"، عرض عليهم خلاله فيلما وثائقيا عن مخاطر الذكاء الاصطناعي. وصرح لهم بأن "التحدي الذي يجب علينا مواجهته له جانبان، الأول أنه بمجرد أن تبني شيئا أذكى منك فهو أذكى منك، انتهى"، الثاني "أن الذكاء الصناعي لا يشعر بالندم لأنه ليس لديه أخلاق ولا مشاعر، ما يضع الإنسانية كلها في مأزق عميق".

وأكد على ضرورة "أن يكون هناك تنظيم استباقي لتطور الذكاء الاصطناعي"، وذلك "بوضع تشريع لتنظيم العمل فيه مثلما توجد تشريعات للغذاء والأدوية والسيارات"، لأن "كل شيء يمكن أن يكون له أضرار يجب أن يحكمه القانون"، مطالبا الشركات "بالتمهل لإحداث تطورات لها آثار مدروسة".

وعبر عن خشيته من أن "تثير المنافسات بين الدول على الذكاء الاصطناعي حربا عالمية ثالثة"، مضيفا أن "كل ما يحاول القيام به هو اتخاذ خطوات ربما تؤدي لمستقبل أفضل"، مشيرا إلى أنه يستثمر في "ديب مايند" ليظل "على اطلاع على ما يحدث هناك" في عالم مطوري الذكاء الاصطناعي.

وقال إنه أنشأ "أوبن إيه آي" كمشروع مفتوح المصدر لأن تطور الإمكانيات الهائلة للذكاء الاصطناعي "سيمنح عددا قليلا من الأشخاص في جوجل وفيسبوك وأمازون" قوة هائلة على مستوى العالم، متسائلا "هل سيستمر ذلك بدون إشراف؟".

حاكم الكوكب

والآن للنقل هذه المخاوف إلى Chat GPT. كان السؤال الموجه إليه "كيف سيتصرف Chat GPT مستقبلا عندما يمتلك قدرات أعلى ولديه سيطرة على مليون روبوت. وكان ملخص قصته كالتالي: كون Chat GPT جيشا من هذه الروبوتات دمرت كل شيء في طريقها وسيطرت على العالم ولم يستطع أن يقف في سبيلها شيء بعد أن سيطر على كل شبكات الكمبيوتر والاتصالات في العالم".

لكن هناك ملاحظة هامة أنه كلما كانت القصة تقترب من النهاية في أنه سيصبح حاكما على العالم كان الاتصال ينقطع. وبإعادة المحاولة كان يغير في القصة شيئا فشيئا ويخفف حدة الدمار. إلا أنه لم يضيع فرصة السيطرة على العالم في أي مرة من مرات إعادة الكتابة، رغم تراجع حدة العنف. ولعل هذا من أسباب أن أحد شروط الأمان في تصنيع الروبوتات هو أن تكون قابلة للتدمير عندما يهاجمها الإنسان. فهل في رأيك أنت، هل تعتقد أن الأمور قد تخرج عن السيطرة يوما ما؟