السبت، 7 نوفمبر 2015

الفرس ووعد بلفور الأول 530 قبل الميلاد؟


 تتشابه الظروف الآن، إلى حد ما، مع الفترة التي مرت بها مصر عام 530 قبل الميلاد، عندما تعرضت للغزو الفارسي على يد قمبيز، الذي أسقط والده كورش العراق أولا، ثم استولى على ممالك بلاد الشام، وقدم وعد بلفور الأول لليهود إن ساعدوه على غزو مصر، التي كانت تتعرض للخيانة والقلاقل الداخلية. إلا أن فراعنة مصر استطاعوا أن يهزموا قمبيز، الذي فر هاربا ومات على حدود سوريا والعراق. وانتهت الحملة الفارسية الأولى على مصر بأسطورة جيش قمبيز الذي اختفى، 50 ألف جندي لم يعثر لهم على أثر في الواحات، حتى أكدت اكشتافات أثرية حديثة أن المصريين رووا بدمائهم جميعا صحراء مصر، المتعطشة للانتقام.

السبي البابلي
احتلت بابل القديمة مناطق واسعة على ضفاف دجلة والفرات، وامتدت بين موقع بغداد حالياً والخليج العربي. (المصدر). وبعد ضعف الآشوريين، تنافس البابليون والمصريون في بسط سيادتهم على أورشليم (القدس)، في الوقت الذي ازداد فيه بنو إسرائيل في طغيانهم، فنصحهم نبي الله إرميا بني إسرائيل بالتوبة، فلم يعبؤوا به، فأخبرهم أن الله سيسلط عليهم أعداءهم البابليين الكلدانيين، فاتهموه بأنه يمالئ البابليين. وبالفعل، غزا البابليون الكلدانيون أورشليم. ونهب الملك نبوخذ نصر المدينة ودك سورها ودمر الهيكل وسبى الشعب اليهودي، فيما أطلق عليه السبي البابلي. وهكذا وقعت أورشليم التي كان يسميها الآشوريين (أورو-سالم) تحت سيطرة بابل، حتى جاء الغزو الفارسي. (المصدر).
كورش الكبير
كورش الثاني أو كورش الكبير (590 ق.م. - أغسطس 530 ق.م.) هو مؤسس الامبراطورية الفارسية الأخمينية. تزعم الفرس في أنشان وهزم الميديين (الأكراد) بقيادة ملكهم أستياجس في شمال غرب إيران، ليوحد المملكتين عام 553 ق.م. وقام بعد ذلك ببناء الإمبراطورية الأخمينية حتى وفاته. وتوسع فيها لتضم جنوب غرب آسيا، وغالبية آسيا الوسطى، ومعظم المناطق على حافة الامبراطورية الهندية. وأسس أكبر إمبراطورية شهدها العالم آنذاك، خلال فترة حكمه التي دامت 29 عاماً. ومات كورش في معركة ضد المساجيتاي بوادي نهر سير داريا في أغسطس 530 ق.م. (المصدر).
العراق والشام
في عام 539 ق.م غزا كورش الثاني بابل، ووضع ابنه الأكبر قمبيز ملكا عليها. وفك أسر اليهود مكافئة لهم على خيانتهم للبابليين ومساعدتهم في الغزو، ووعدهم بإعادة بناء الهيكل الذي دمره نبوخذنصر في أورشليم، إن ساعدوه في غزو مصر (وعد بلفور الأول)، فأصبحت أورشليم معقلا لحشود الجيش الفارسي. ثم خضعت القلاع الميتانية (سوريا) واستسلم الفينيقيون (لبنان). ووضع كورش خطة غزو مصر قبل وفاته، وأوكل إلى قمبيز مهمة تهيئة الحملة، إلا أنه توفي قبل تسييرها. وفي عام 530 انطلق قمبيز بجيوشه شرقا إلى مصر. (المصدر)
قلاقل داخلية
وكانت مصر تمر آنذاك بمرحلة قلاقل داخلية في العام الأول من حكم الفرعون بسماتيك الثالث ابن أحمس الثاني، وذلك بسبب مشاكل اجتماعية وأمنية أثارها الإغريق الذين كانوا جزءا من النسيج المصري آنذاك، واضطر بسماتيك الثالث إلى تأجيل مواجهة هذه المشاكل الداخلية إلى ما بعد مواجهة الحرب مع الفرس.
خيانة عسكرية
وبحث قمبيز عن قبائل البدو في سيناء ودفع لهم كثيرا من الذهب لإمداد جيشه بالمياه والطعام خلال عبوره الصحراء. ثم توجه إلى قمبيز، خائن من الإغريق، كان يعمل سابقا كمرتزقة في جيش الفرعون أحمس الثاني يدعى فانيس، وأعطاه معلومات عن خطط المصريين في الحروب، ودل قمبيز على الطرق والمسالك التي تمكنه من مفاجأة الفراعنة في حصونهم بسهولة، فأصبح الطريق كل شيء جاهزا أمام الإمبراطور الفارسي الذي ساعده الفينيقيون أيضا بالسفن.
معركة الفاراما
وتواجه الجيش الفارسي المكون من 40 ألف جندي مع الجيش المصري الأقل عددا في الفارما. ودارت المعركة من الفجر إلى غروب الشمس خسر فيها قمبيز 15 ألف جندي، وانسحب جيش الفرعون بسماتيك الثالث، تاركا قمبيز يغلي من الغضب، لأنه رغم كل شيء كان مضطرا إلى انتظار تعزيزات قبل دخول منفيس، الجيزة حاليا، لأنه كان يعلم أنه قد يتعرض للهزيمة إن توغل في الأراضي المصرية لما شاهده من شدة قتال المصريين.
وخلال انتظار التعزيزات، أرسل قمبيز رسلا له على متن سفينة إلى أهل منفيس، لكن بمجرد وصولها صعد المصريون على متنها وقتلوا كل من عليها معلنين أنهم سيواصلون القتال. كما استطاعت نخبة صغيرة من جيش الفرعون بسماتيك الذي كان يتألف من مصريين وكاريين وإغريق من الانتقام من فانيس، بعد أن طوقوا فرقة عسكرية يقودها، فقتلوا كل من معه وأسروه، وأحضروا أبنائه وأفراد أسرته أمامه قبل إعدامه أمامهم.
معركة منفيس
بعد وصول التعزيزات زحف قمبيز إلى منفيس ودارت معركة أخرى لا تقل شراسة، ولم يستطع الجيش الفارسي اختراق حصون المدينة المنيعة. ولم يجد وسيلة إلا أن يحاصرها لأشهر عديدة، حتى نفذ المؤن، فاستسلم بسماتيك ورفض الهروب مع بعض الجنود. وارتكب قمبيز مذبحة لا تنسى بعد أن دخل حصون منفيس، إذ قتل كل القادة العسكريين وكل أفراد الأسرة الفرعونية الحاكمة السادسة والعشرين، واعتلى عرش مصر، لأن منفيس كانت مركز تتويج الفراعنة.
معركة النوبة
ثم زحف قمبيز بجنوده جنوبا ليسيطر على باقي أراضي مصر، وكان ملك النوبة في نظام الحكم المصري القديم يشغل ثاني أهم منصب في الدولة، ويعد عين الفرعون في الجنوب. وخاض الفرعون النوبي آمون لبتي ضد قمبيز معركة، أكل فيها جنوده جنود قمبيز أحياءً، بمعنى الكلمة، لأنه كان من عادات أهل النوبة آنذاك أكل لحوم أعدائهم في المعارك. وفر قمبيز وجيشه رعبا إلى منفيس ليتحصن فيها وطلب مزيدا من التعزيزات. ما أعطى المصريين فرصة لإعادة تشكيل قواتهم.
معركة الواحات
واجتمع القادة العسكريون من الدلتا سرا في واحة قرب معبد آمون في الواحات الداخلة ليضعوا خطة لطرد الفرس من مصر بالكامل. وعلى رأسهم أمير شاب يدعى بادى باست الثالث (بيتوباستيس) من مدينة تانيس، شرق الدلتا بمحافظة الدقهلية حاليا، وكان شابا داهية صاحب بنية قوية، من نخبة حرس الفرعون، وأحد النبلاء المرشحين لاعتلاء عرش مصر، إلى جانب أحد فراعنة الأقاليم الذى يدعى آمون نخت أحد كبار قادة الجيش، الذى قاتل ببسالة ضد جيش قمبيز فى معركة الفارما. واكتشفت مقبرته تقريبا عام 1968 ووجدت سليمه بالكامل. وأوضح الاكتشاف أنه من الأسرة الفرعونية المصرية السابعة والعشرين.
الجيش المفقود
وفي الواحات، مقر عبادة آمون، تنبأ أحد الكهنة بأن جيش قمبيز سيباد بالكامل. وما أن سرت النبوءة حتى قاد قمبيز جيشا من 50 ألف مقاتل لمقابلة فراعنة غرب مصر. وكان يحكم مصر الوسطى والعليا أقوى الأسر الفرعونية، والجنوب أقوى الأسر، وغرب مصر (الفيوم الواحات الداخلة وأجزاء صغيرة من غرب الدلتا) أيضا أقوى أسرة، كلها تدين بالولاء والطاعة لفرعون منفيس.
وما أن وصل جيش قمبيز حتى هبت عاصفة قوية قاتل فيها الجيش المصري ببراعة تحت قيادة النبيل الفرعوني بادي باست وأبادوا جيش قمبيز، الذي فر إلى سوريا. إلا أن بادي باست أرسل خلفه جنودا مختصين في الاغتيال، فكان كلما استيقظ قمبيز صباح كل يوم وجد عددا من جنوده مقتولين. ومات قمبيز قبل أن يصل بلاده على حدود سوريا والعراق ولم يعرف كيف حدث ذلك، حيث تعددت الأقاويل. وبذلك انتهت الحملة الفارسية الأولى على مصر بالفشل. (المصدر)
يذكر أن عالم المصريات الهولندى أولاف كابر أعلن العام الماضي عن اكتشاف أثرى بمنطقة الواحات يؤكد أن جيشاً فارسياً، قيل طويلا إنه اختفى بسبب عاصفة رملية شديدة، مضيفا أن هذا الجيش هزم هناك على يد من أصبح لاحقا الفرعون بيتوباستيس الثالث عام524 قبل الميلاد. وأكد ذلك نقوش على كتل حجرية من بقايا معبد في منطقه ''أمهيدا'' بالواحات تحمل ألقاب الفرعون بيتوباستيس الثالث الذي تصدى للغزو الفارسي لمصر. (المصدر)
ملحوظة
قام علماء الآثار والمستشرقون اليهود بتهويل منزلة الأخمينيين وسمعتهم خلافاً لحقيقتهم في التاريخ... وسعى اليهود لتقديم الأخمينيين كمبدعين للثقافة والحضارة أو أي شيء يرغبون فيه بسبب الخدمة التي قدمها الأخمينيون لهم بتحريرهم من سبي نبوخذ نصر ملك بابل. من بينهم، علماء آثار ومؤرخون يهود مثل جيريشمن وداريشتيد واشكولر. كما أن 90% من مؤرخي التاريخ الإيراني هم من اليهود. أي أن اليهود قاموا بتهويل تاريخ الأخمينيين، وحاولوا خلال المئة سنة الماضية أن يصوروا كورش في التاريخ الإيراني بشكل يتطابق وصورته في التوراة، التي تقدمه كصورة نبي، وقد نجحوا في ذلك. إذ لم يُعرف كورش في إيران حتى قبل 100 عام.
   (المصدر)
مصطفى علي درويش