الأحد، 25 أكتوبر 2015

تقديس اللصوص أحدث المعتقدات في فنزويلا!


معظم سكان فنزويلا، مثل غالبية مدن أميركا اللاتينية، من المسيحيين الكاثوليك. إلا أن الأديان في فنزويلا اختلطت بكثير من المعتقدات القادمة من الأدغال للسكان الأصليين، والديانات الأفريقية، وحتى الهندية. ورغم أن الرئيس الراحل هوجو شافيز الذي توفي العام الجاري نجح في خفض معدلات الفقر، إلا أنه لم ينجح في خفض معدلات الجريمة. فقد قتل 14 ألف شخص في شوارع كاركاس عام 2011 وحده.

ووسط ارتفاع معدلات البطالة والفساد والجريمة، أصبح بعض سكان العاصمة كراكاس، التي تعد واحدة من أكثر مدن العالم عنفا، يتضرعون لتماثيل مجرمين متوفين، يدعون محليا ”سانتوس مالاندروس“ أو اللصوص المقدسين. ووسط تزايد أعداد المنتمين لهذا التيار تحول الأمر إلى ما يشبه طائفة دينية جديدة، تجذب الطبقة الأكثر فقرا في المجتمع.
وعلى قمة القديسين المحليين، تأتي ماريا ليونزا، ويمثلها تمثال امرأة عارية تجلس على حيوان آكل النمل. ولها تمثال كبير في أحد شوارع كاراكاس، وهي إلهة الطبيعة والحب والسلام والتناغم والخصوبة. ويطلق على ليونزا لقب الملكة، ويأتي ورائها قديسين آخرين يوضع كل منهم في طائفة أو ”بلاط“. فهناك بلاط للأطباء وثاني للأفارقة، وثالث للهنود، والفراعنة، وغزاة الشمال، وحتى الثوريين. ولكل شخصية أو قديس منهم تمثال. ثم يأتي البلاط (الطائفة) الأحدث الذي ظهر خلال السنوات الـ12 الماضية..”سانتوس مالاندروس“! .
ومن الشخصيات السابقة من حصل على لقب قديس من الكنيسة الكاثوليكية في فنزويلا لاستيعاب الناس ودعوتهم إلى الكنيسة، إلا الفئة الأخيرة. وكما في الحرف قديماً، فلكل طائفة زعيم. ورئيس اللصوص المقدسين هو إسماعيل سانشيز. ويبدو من اسمه أنه كان من مسلمي فنزويلا، كما أن حارس مقبرته اسمه عمر. وحسب الرواية الشعبية، فإن إسماعيل ساعد الفقراء كثيرا، فكان مثل روبن هوود يسرق ليطعم فقراء الحي الذي يسكن فيه، حتى قتله شرطي برصاصة من الخلف.
وإلى جانب مقبرة إسماعيل توجد مقبرة أخرى لشخص يدعى ميجيلتو بيلون الشهير بالأصلع، الذي لم يفعل شيئاً خيرا في حياته للإنسانية، لكن له تمثال ومقبرة وزائرين! وكذلك هناك لسيدة تدعى إيزابيلا مالاندرا، وفريدي الشهير بـ”التركي“، وآخر يدعى الفأر، ومجرم آخر اشتهر باسم ”النفط الخام“ لأنه كان أسود البشرة. ويذهب فقراء فنزويلا إلى هؤلاء الناس طلبا لمساعدة المقربين منهم الذين وقعوا في ورطة ترتبط بجريمة ما، أو للانتقام من مجرم آخر.
أما الهدايا التي توضع على مقبرة إسماعيل سانشيز فتتنوع ما بين الزهور والشموع البيضاء والزرقاء.. والمخدرات بالطبع. لكن لكل مجرم ذوقه الخاص، فإسماعيل على سبيل المثال، يفضل السجائر والكحول بمذاق الينسون. أما كيف يستهلكها فهذه مسألة بسيطة يمكن حلها بإشعال السيجارة ووضعها في فم تمثال لإسماعيل، ومشاركة الشراب مع حراس المقبرة. لكن لا يمكن أن تفعل هذا بدون أن تشير بيديك بعلامة الصليب لتبارك السيجارة، فأنت تتعامل مع قديسين.
وتمتلئ شوارع كراكاس بمحلات تبيع تماثيل ”سانتوس مالاندروس“، ويوجد في هذه المحلات أيضا وسطاء لاستحضار أرواحهم. ويستحضر الوسطاء روح إشماعيل سانشيز للقيام بعمليات جراحية تصل للقلب المفتوح، والمساعدة في التغلب على إدمان المخدرات، ومساعدة الجانحين على العودة إلى الطريق القويم. وهكذا أنجب الفقر والجهل مولودا أسمياه الجريمة، ورفع الظلم مرتكبيها إلى مراتب القديسين، بعد أن لم يتبق للفقراء أمل في شيء. (نشرت لي في جريدة الاتحاد)