السبت، 31 أكتوبر 2015

مجتمعنا العربي المنافق.. مساء الخير


كان الإعلاميون المصريون في يوم من الأيام مبهورين بسيجار كلينتون واستخداماته مع ذات الفستان الأزرق. وتحدث بعضهم عنه وكأنه يتمنى أن يكون مكانه، في فضيحة خرج منها الرئيس الأمريكي أكثر شعبية ليس في أمريكا وحدها، بل وعندنا أيضا، رغم أننا شعب يحب "الستر" جدا .. الستر على "شارع" الهرم، وشارع عباس العقاد، وحتى شارع جامعة الدول العربية، لم نحرمه من الستر. ونحن نحرص أيضا على ستر الصحفيين المسجلين على كشوفات رواتب رجال الأعمال، من المتلونين والمتلونات محترفي "السبوبة" و"النحتاية".
 واكتشفت بعد زمان أننا شعب يحب الستر في محله وفي غير محله. مثلا، الستر على الموهوب حتى لا يخرج من تحت العباءة. وستر صاحب كلمة الحق، حتى لا يسبب لنا صداعا، وستر الإتقان في العمل طالما أن الأمور تسير في مجراها.  وللحفاظ على قيمة الستر الجليلة، فلا توجد مشكلة في لي بعض الحقائق أو التدليس فيها، ولا مانع كذلك من قليل من الكذب الأبيض، الذي ينفع في اليوم الأسود. ثم تمادينا، فسترنا نوايانا الحقيقية حتى عن أنفسنا، فوصل الستر إلى حد "الكفر".
ورغم هذا كله، إلا أننا لا نحب الستر إلى هذا الحد، لأننا نشعر معه أحيانا بالحر، لأنه يحجب عنا الهواء الطلق، الذي بدونه قد نموت! فنسمح لأنفسنا أحيانا بالهمز واللمز، إذ لا يوجد مانع من الحديث عن شخص ما من وراء ظهره، ثم نهي كلامنا بـ"ربنا يستر علينا وعلى ولايانا".
قد يقول البعض "لقد كنا مبهورين بحرية الإعلام الأمريكي في مهاجمة الرئيس كلينتون". لكن هذا لم يكن وحده هو السبب، لأن الابتسامات والضحكات والحالة الحوارية كلها تؤكد أن هناك أكثر من ذلك. بمعنى أدق، لم أسمع مثلا شخصا يصف كلينتون بالزاني. فكما تعرفون ثقافة الغرب مختلفة عنا، ونحن عندما نتحدث عنهم نتقمص ثقافتهم، وهو أحد فنون الستر، الذي حول "قناة" السويس الجديدة إلى "ترعة"، و"انتصار حرب" أكتوبر إلى "خسارة معركة" أكتوبر.
أما في تاريخنا القديم، فقد كان كان المرتشي إذا افتضح أمره لا يزوج، حتى يرحل من بلد إلى بلد لا يعرف فيها، ولن يمر عليه أحد ممن كان يعرفهم، كي يتزوج. وكان الناس وقتها يعرفون المعنى الحقيقي للستر.
مر بي كل هذا وأنا أفكر في الضجة التي أثارتها ريهام سعيد، وأعترف أنها أخطأت مهنيا في سحب الصور من هاتف فتاة المول، حسبما قالت هذه الشابة. ولا أعرف كيف وقعت هي وطاقم إعداد البرنامج في هذا الخطأ! لكن ما الذي أدار دفة الحوار 360 درجة، لتتحدث غالبية الناس عن إعلام القذارة والانحطاط، واستعلاء المذيعة إلخ، ليستر غالبية الناس كل أعمال الخير التي قامت بها ريهام سعيد.
وهنا أتوقف مع كل من يسأل ماذا "لو كانت ابنتك؟".. فأرد عليه بسؤال هل كنت ستغضب لأنك تعرف كيف تربي بنتك ولن تسمح لها أن تصل إلى الصورة رقم 600؟ ثم أسأل وبمنتهى الموضوعية، كل هذه المساندة لفتاة المول تشجع البنات المصريات على ماذا؟ 
هذه الأعداد الضخمة من المهاجمين تنبئ عن مشكلة كبيرة وهي يبدو أننا نحتاج كشعب إلى الستر، تحت الثرى. وفي النهاية، من يفضحه الله، فإنه يأتيه من حيث لا يحتسب، ولن يستر عليه أحد.

ملحوظة أخيرة: الانتقادات التي قرأتها ضد ريهام سعيد، كانت في الواقع سبابا، متبوعا بتبرير أو آخر، وقليل منها تناول موضوع صور فتاة المول. فالبعض لا يؤمن بالمس، والبعض الآخر يسبها لأنها وقفت مع السيسي، وقال آخرون إنها ممولة من الإخوان، وكذلك أشقاء عرب لأنها صورت اللاجئين السوريين بصورة لا تليق، بينما لم يسبوا الدول التي ترفض استقبال السوريين في الغرب بعنصرية بالغة.
وهذا لا يعجبه تعجرفها، وذاك يتذكر لها كل شجار مع زملائها نجوم البرامج الحوارية إلخ.  حتى "بي بي سي" الإنجليزية، كان عنوانها غير مهني بوصفه ريهام بأنها المذيعة التي طالبت البنات بالاحتشام في الملابس. لا أعرف، ربما يكون ذهني لا يستطيع استيعاب ما يحدث، لكن في النهاية، هذا رأيي كما عبر الآخرون عن رأيهم. وهو أن ريهام تعرضت لحملة تشويه وانتقام، تستحقها أو لا تستحقها هذا ليس من شأني، لأني أحب الستر أيضا.. أتراني كذلك؟
مصطفى علي درويش