الخميس، 29 أكتوبر 2015

لماذا لا أحصل على إجازة في كل مرة يتوفى فيها أنفي؟



في كل مرة أذهب فيها إلى أحد الأطباء مصابا بالتهاب في الجيوب الأنفية، كان الطبيب يبالغ في فحص أنفي باهتمام مبالغ فيه،كنت اعتبره أنه من باب "تحليل مبلغ الكشف"، لأنها في النهاية مجرد أنف. واشترك كل الأطباء في أن أول تعبير كان يظهر على وجوههم هو الفزع، الذي لم أعرف سببه. إلى أن ذهبت في ذات مرة إلى طبيب سمعته جيدة، اسمه رأفت المهندس. فقال بعد أن سألته عن سبب اهتمامه الزائد بأنفي الموقر "إن كل أوردة أنفك زرقاء تماما! أنا لم أر احتقانا مثل هذا في حياتي!". فرددت عليه بسخرية "يعني أنفي توفت؟"، من باب شر البلية ما يضحك. فقد آلم أنفي حتى كدت أضربه في أنفه لعله يحس بألمي، ثم أخبرني بنتيجة زادت ضيقي.

ومنذ تلك الزيارة إلى رأفت المهندس، وأنا أعرف أن أنفي تفارق الحياة عندما أصاب بالتهاب الجيوب الأنفية، وأنه من الأفضل أن أبحث لها عن حانوتي بدلا من طبيب، إلا أنني لم أكن متأكدا من ذلك، فلعلها مرة ومرت بسلام. إلى أن أصبت بنفس الحالة المتكررة، فذهبت في إحدى المرات إلى عيادة الاتحاد المقابلة لجريدتنا بعد أن كدت أجن من آلام الحلق والعينين والرأس والعظام والصداع، إلى آخر الأعراض التي يعرفها بعضكم. 
وهنا وقعت في يد طبيب قالم بالتنقيب في أنفي، تحملته قدر المستطاع ثم صرخت فيه من الألم "ماذا في الأمر، أنا أعرف أنني مصاب بالتهاب الجيوب الأنفية؟". فقال لي الجملة نفسها "إن كل أوردة أنفك زرقاء تماما! أنا لم أر احتقانا مثل هذا في حياتي!" وزاد عليها " صراحة كان الله في عونك!". هنا تذكرت فؤاد المهندس، فأعدت عليه جملتي الساخرة "هل توفيت أنفي إذا؟". 
سكت الطبيب قليلا ثم ابتسم قائلا بمن يمكر بي وفي نيته تحويلي إلى فأر تجارب "هل يمكن أن نجري بعض الفحوصات؟". فعبست في وجهه بطريقة لن ينساها قائلا "دكتور أنا متعب جدا، هل يمكنك أن تكتب لي أفضل علاج؟ كما أنني أحتاج إلى إجازة، لأنني أعمل ساعات طويلة أمام شاشة الكمبيوتر".
هنا تحول الدكتور المهتم باكتشاف شيء يضيف إلى رصيده العلمي وإلى صالح البشرية، إلى أجبن شخص يمكنك أن تقابله في حياتك قائلا "لا لا لا". ورفض رفضا باتا "لأن القانون لا يعتبر التهاب الجيوب الأنفية مرضا يستحق الإجازة"، معترفا أنه "من حقه تقدير حالة المريض وإعطاءه إجازة 48 ساعة"، إلا أنه لا يريد أن يتهمه أحد بشيء، فالمتمارضون كثرّ. وبالتالي، قررت أن أحرمه من دراسة أنفي، وحقيقة، هذا أقصى ما أستطيع فعله. وأخذت منه الوصفة الطبية وأنا أدعو عليه سرا وشرا أن يصاب بالتهاب في جيوبه الأنفية، يضطر معه إلى أن يواري أنفه الثرى. 
لمن لا يعرفون، فإن التهاب الجيوب الأنفية خطير، فربما ينتشر الالتهاب إلى العظام أو الدم فيتسبب في التهاب السحايا والإضرار بالبصر والسمع، وكذلك المفاصل. كيف إذا لا يمكنني الحصول على إجازة؟
مصطفى علي درويش